فصل: 260- هل يقدر القديم على ما أقدر عليه؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (نسخة منقحة)



.258- هل الصفات أشياء أم لا؟

واختلفوا في الصفات هل هي أشياء أم لا؟
1- فأثبت بعضهم الصفات أشياء.
2- ومنع ذلك بعضهم وقال: إذا قلت شيء بصفاته استغنيت عن ذلك.
3- وكذلك قال بعض أصحابه: أن الصفات قديمة.
4- ومنع بعضهم أن يقال: قديمة أو حديثة لأنا إذا قلنا قديم استغنينا عن ذلك.
5- وزعم أنه لم يزل راضيًا عمن يعلم أنه يموت مؤمنًا وإن كان أكثر عمره كافرًا ساخطًا على من يعلم أنه يموت كافرًا وإن كان أكثر عمره مؤمنًا وإرادة الله- سبحانه- لكون الشيء هي الكراهة أن لا يكون.
6- وقال سليمان بن جرير: علم الله- سبحانه- لا هو الله ولا هو غيره ووجهه هو هو وعلمه شيء وقدرته شيء ولا أقول: صفاته أشياء.
7- وقال ابن كلاب في الوجه والعين واليدين أنها صفات لله لا هي الله ولا هي غيره كما قال في العلم والقدرة غير أنه ثبت هذا خبرًا.

.259- معنى القول إن الله قادر:

القول في أن الله- سبحانه- قادر؟
قد اختلف المتكلمون في ذلك اختلافًا كثيرًا فمما اختلفوا فيه القول هل يوصف البارئ بأنه قادر على الأعراض؟
1- فقال المسلمون كلهم أجمعون إلا معمرًا: إن الله قادر على الأعراض والحركات والسكون والألوان والحياة والموت والصحة والمرض والقدرة والعجز وسائر الأعراض.
2- وقال معمر بالتعجيز لله وأنه لا يوصف القديم بأنه قادر إلا على الجواهر وأما الأعراض فلا يجوز أن يوصف بالقدرة عليها وأنه ما خلق حياة ولا موتًا ولا صحة ولا سقمًا ولا قوة ولا عجزًا ولا لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا وأن ذلك أجمع فعل الجواهر بطبائعها وأن من قدر على الحركة قدر أن يتحرك ومن قدر على السكون قدر أن يسكن كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد وأن البارئ قد يريد ويكره وذلك قائم به لا في مكان وكذلك تحريكه وتسكينه قائم به وهو إرادته.
فيقال له: إذا قلت: إن البارئ قادر على التحريك والتسكين فقل: قادر على أن يتحرك ويسكن فإن كان من قدر على تحريك غيره وتسكينه لا يوصف بالقدرة أن يتحرك فكذلك من وصف بالقدرة على حركة غيره لا يوصف بالقدرة على أن يتحرك.
3- وخالف أهل الحق أهل القدر ومعمرًا في ذلك فقالوا: قد يوصف القديم بالقدرة على إنشاء الحركة ولا يوصف بالقدرة على التحرك.

.260- هل يقدر القديم على ما أقدر عليه؟

واختلف الناس أيضًا في القول: هل يقدر القديم على ما أقدر عليه عباده أو لا يجوز ذلك؟
1- فقال إبراهيم وأبو الهذيل وسائر المعتزلة والقدرية إلا الشحام: لا يوصف البارئ بالقدرة على شيء يقدر عليه عباده ومحال أن يكون مقدور واحد لقادرين.
2- وقال الشحام: إن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة مقدورة تكون مقدورة لقادرين لله وللإنسان فإن فعلها القديم كانت اضطرارًا وأن فعلها المحدث كانت اكتسابًا وأن كل واحد منهما يوصف بالقدرة على أن يفعل وحده لا على أن القديم يوصف بالقدرة على أن تكون الحركة فعلًا له وللإنسان ولا يوصف الإنسان بالقدرة على أن تكون الحركة فعلًا له والقديم ولكن يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلقها ويوصف الإنسان بأنه قادر أن يكتسبها.
3- وقال أهل الحق والإثبات: لا مقدور إلا والله- سبحانه- عليه قادر كما أنه لا معلوم إلا والله به عالم وما بين أن يكون مقدور لا يوصف الله- سبحانه- بالقدرة عليه وبين أن يكون معلوم لا يعلمه فرقان.

.261- هل يقدر الله على جنس ما أقدر عليه عباده؟

واختلفت المعتزلة: هل يجوز أن يقدر الله- سبحانه- على جنس ما أقدر عليه عباده أو لا يوصف بالقدرة على ذلك؟
1- فقال البغداديون من المعتزلة: لا يوصف البارئ بالقدرة على فعل عباده ولا على شيء هو من جنس ما أقدرهم عليه ولا يوصف بالقدرة على أن يخلق إيمانًا لعباده يكونون به مؤمنين وكفرًا لهم يكونون به كافرين وعصيانًا لهم يكونون به عاصين وكسبًا يكونون به مكتسبين.
وجوزوا الوصف له بالقدرة على أن يخلق حركة يكونون بها متحركين وإرادة يكونون بها مريدين وشهوة يكونون بها مشتهين وزعموا أن الحركة التي يفعلها الله-عز وجل- مخالفة للحركة التي يفعلها الإنسان وأن الإنسان لو أشبه فعله فعل الله لكان مشبهًا لله-عز وجل-
ولم يصف كثير منهم البارئ بالقدرة على أن يخلق معرفة بنفسه يضطر عباده إليها.
2- وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي وكثير من المعتزلة: إن البارئ- سبحانه- قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده من الحركات والسكون وسائر ما أقدر عليه العباد وأنه قادر على أن يضطرهم إلى ما هو من جنس ما أقدرهم عليه وإلى المعرفة به- سبحانه-.
وكان لا يصف ربه بالقدرة على أن يخلق إيمانًا يكونون به مؤمنين وكفرًا يكونون به كافرين وعدلًا يكونون به عادلين وكلامًا يكونون به متكلمين لأن معنى متكلم أنه فعل الكلام عنده وكذلك القول في سائر ما ذكرناه من العدل والجور عنده وكذلك يحيل ذلك في كل شيء يوصف به الإنسان ومعنى ذلك أنه فاعل مما اشتق له الاسم منه.
3- وقال أبو الهذيل: لا تشبه أفعال الإنسان فعل البارئ على وجه من الوجوه وكان لا يصف الأعراض بأن تشتبه.
4- وقال أهل الحق والإثبات: إن البارئ قادر على أن يخلق إيمانًا يكون عباده به مؤمنين وكفرًا يكونون به كافرين وكسبًا يكونون به مكتسبين وطاعة يكونون بها مطيعين ومعصية يكونون بها عاصين.
وأنكر أكثر أهل الإثبات أن يكون البارئ موصوفًا بالقدرة على أن يضطر عباده إلى إيمان يكونون به مؤمنين وكفر يكونون به كافرين وعدل يكونون به عادلين وجور يكونون به جائرين.
4- وقال أبو الهذيل: إن البارئ يضطر عباده في الآخرة إلى صدق يكونون به صادقين وكلام يكونون به متكلمين فيلزمه أن يجوز القدرة أن يضطرهم إلى كفر يكونون به كافرين وجور يكونون به جائرين وإلا كان مناقضًا.
7- فأما أنا فأقول: إن كل ما وصف بالقدرة على أن يخلقه كسبًا لعباده فهو قادر أن يضطرهم إليه وجائز أن يضطرهم الله- سبحانه- إلى الجور.
8- والمعتزلة يصفون البارئ- سبحانه- بالقدرة على أن يلجئ العباد إلى فعل ما أراده منهم.
9- وأنكر محمد بن عيسى ذلك وقال: لو ألجأهم لم يكونوا مؤمنين وكذلك لو ألجأهم إلى العدل لم يكونوا عادلين وكذلك لو ألجأهم إلى الكفر لم يكونوا كافرين لأنهم أمروا أن يأتوا بالإيمان طوعًا وأن يتركوا الكفر طوعًا فإذا أتوا به كرهًا وتركوا الكفر كرهًا لم يكونوا مؤمنين.
وكان يقول: إذا فعل الله- سبحانه- علمًا كان غيره به عالمًا وكذلك كل علم يفعله فغيره به عالم وكذلك القول في كل شيء يفعله فكان غيره موصوفًا به وكذلك إذا فعل شهوة فغيره بها مشته وكل شهوة يفعلها فغيره بها مشته وإذا فعل عدلًا فهو به عادل وكل عدل يفعله فهو به عادل ولا يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلق جورًا لغيره وعن غيره أنالبارئ قادر على جور غيره وإيمان غيره وكفر غيره فقوله أن الله- سبحانه- قادر كلام صحيح وقوله: على جور غيره وإيمان غيره وقول غيره خطأ. وكذلك لا يجوز أن يقال: إن البارئ قادر على خلق كسب غيره ولا يقال: إنه قادر أن يخلق كسب غيره والقول في هذه المسألة: قادر صواب والقول: (إنه يخلق كسب غيره) و (على كسب غيره) خطأ.
وكان يقول: إن البارئ قادر على الجور ولا أقول: (قادر أن يجور) و (لم يزل قادرًا على الفعل) ولا أقول: (لم يزل قادرًا على أن يفعل) لأن القول: قادر أن يفعل إخبار أنه قادر وأنه يفعل كالقول: عالم أنه يفعل. وزعم أن العدل ما فعله الله- سبحانه- والجور هو ما لم يفعله وأنه لا يوصف البارئ- سبحانه- بأنه قادر على عدل لم يفعله واعتل بأنه لو جاز أن يفعل البارئ ما هو عدل لجاز أن يفعل ما هو جور.
وكان يعارض من قال: إن القادر على الفعل قادر أن يفعل.
10- وكان معمر يقول: إن القادر على الحركة قادر أن يتحرك وكان يقول: لما قلتم أنه يقدر على الحبل من لا يقال أنه قادر أن يحبل كذلك قادر على الجور من لا يقال أنه قادر أن يجور.
وكان يعارض أبا الهذيل فيقول له: إذا قدر القديم على الصدق فيجب أن يكون قادرًا على أن يصدق وهذا يوجب أن يكون قادرًا على أن يصدق أهل الجنة.
11- وقال كل من ثبت البارئ قادرًا على الظلم والجور من المعتزلة: إن البارئ قادر أن يظلم ويجور.
12- وقال أهل الإثبات: إن البارئ قادر على ظلم غيره وجوره وإيمانه وكسبه ولا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا بالقدرة على أن يكتسب ولم يصفوا ربهم بالقدرة على ظلم لا يكتسبه العباد.
إلا طوائف منهم فإنهم قالوا: إن الله قادر أن يضطر العباد إلى ظلم وجور ولا جور في العالم ولا ظلم فيه إلا والله- سبحانه- فاعل لذلك.
13- وقال النظام وأصحابه وعلي الأسواري والجاحظ وغيرهم: لا يوصف الله- سبحانه- بالقدرة على الظلم والكذب وعلى ترك الأصلح من الأفعال إلى ما ليس بأصلح وقد يقدر على ترك ذلك إلى أمثال له لا نهاية لها مما يقوم مقامه.
وأحالوا أن يوصف البارئ بالقدرة على عذاب المؤمنين والأطفال وإلقائهم في جهنم.
14- وقال أبو الهذيل: إن الله- سبحانه- يقدر على الظلم والجور والكذب وعلى أن يجور ويظلم ويكذب فلم يفعل ذلك لحكمته ورحمته ومحال أن يفعل شيئا من ذلك.
15- وقال أبو موسى وكثير من المعتزلة: إن الله- سبحانه- يقدر على الظلم والكذب ولا يفعلهما فإذا قيل: فلو فعلهما؟ قالوا: لا يفعلهما أصلًا وهذا الكلام قبيح لا يحسن إطلاقه في رجل من صلحاء المسلمين فكذلك لا يطلق في الله-عز وجل- وليس بجائز أن يقول قائل: لو زنى أبو بكر وكفر علي كيف يكون القول فيهما؟ وقد علمنا أن الله- سبحانه- لا يظلم بالدلائل فلذلك نستقبح القول: لو فعل الظلم.
وكان أبو موسى إذا جدد القول عليه قال: لو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكانت تدل دلائل على أنه يظلم وكان يكون ربًا إلهًا قادرًا ظالمًا.
قالوا: فأما الجهل فالقول فيه على وجهين! إن أراد السائل بالجهل الأفعال التي تسمى جهلًا فالقول فيه كالقول في الظلم والكذب وإن أراد جهل الذات بالأشياء على معنى أنها تخفى عليه فنحن لم نقل أنه قادر على أضداده.
16- وكان بشر بن المعتمر إذا سئل فقيل له: هل يقدر الله- سبحانه- أن يعذب الطفل؟ قال: نعم ولو عذبه لكان كافرًا بالغًا مستحقًا للعذاب.
17- وكان أبو الهذيل إذا قيل له: فلو فعل الله الظلم قال: محال أن يفعله.
18- وكان محمد بن شبيب يقول: يقدر الله أن يظلم ويجور ويكذب ولكن الظلم والكذب لا يكونان إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله-عز وجل-.
واعتل بأن الله- سبحانه- لو خبرنا أنه لا يدخل هذه الدار إلا حمار وكان الإنسان قادرًا على دخولها لم تكن قدرته على ذلك قدرة على أن يكون حمارًا فكذلك الجور لا يكون إلا من منقوص وليس قدرة البارئ على الجور قدرة على أن يكون منقوصًا.
19- وقال بعض المتكلمين: يقدر الله أن يفعل الظلم وخلافه والصدق وخلافه قال: فإن قال قائل: أفمعكم أمان من أن يفعله؟ قلنا: نعم هو ما أظهر من حكمته وأدلته على نفي الظلم والجور والكذب فإن قيل: أفيقدر مع الدليل أن يفعل الظلم والكذب قال: نعم يقدر مع الدليل أن يفعل مفردًا من الدليل لا بأن نتوهم الدليل دليلًا والظلم واقعًا لأن في توهمنا الدليل دليلًا علمًا بأن الظلم لا يقع وإذا قلت يفعل الظلم توهمت الظلم واقعًا وعلمته كائنًا مع علمك أنه غير كائن ومحال أن يجتمع العلم والتوهم بوقوعه والعلم والتوهم بأنه غير واقع فلم يجز اجتماع هذين التوهمين وهذين العلمين في قلب واحد.
قال: ونظير ذلك أن قائلًا لو قال: يقدر من أخبر الله أنه لا يؤمن على الإيمان؟ قيل له: يقدر مع وجود الخبر أن يفعل الإيمان ولا بأن نتوهم وقوع الإيمان ووجود الخبر ولكن على أن نتوهم وقوع الإيمان مفردًا من وجود الخبر وإلى هذا القول كان يذهب جعفر بن حرب.
وذهب إلى هذا القول البلخي وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها ولكن الأشياء التي يستدل بها العقول كانت تكون غير هذه الأشياء الدالة يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي عليه اليوم.
20- وكان الإسكافي يقول: يقدر الله- سبحانه- على الظلم ولا يقع لأن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله- سبحانه- ليس بظالم وأنه ليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع منه.
فإذا قيل له: فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة؟ قال: يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وبعينها على أنه لا يظلم.
21- وكان الفوطي وعباد إذا قيل لهما: فلو فعل الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا: إن أراد القائل بقوله: (لو) الشك فليس عندنا شك في أنه لا يظلم وإن أراد القائل بقوله: (لو) النفي فقد قال: إن الله لا يظلم ولا يجور.